top of page

المواعيد الجرادية ودرس للحياة

في الانتظار تضيع الأعمار




لدي صديق عزيز على قلبي جمع الله له من أطراف صفات الجمال والكمال مجامعها. إلا أن الله ابتلاه بمواعيد تشبه في انضباطها أسراب الجراد المنتشر و في دقتها تصويب البواردي الأعمى.


ومع ذلك فلم تكن صفة من صفاته أحب إلى قلبي من مواعيده الجرادية. فلقد تعلمت منها أهم الدروس في حياتي.

كان يتأخر صديقي العزيز عن مواعيده بالساعة والساعتين. بل وأحيانا بالثلاث ساعات. فلقد كان هذا جزأً ثابتا لا يتغير ولا يتبدل في شخصيته.


في بداية علاقتي معه كنت أتضايق لهذا السلوك. ومع مرور الوقت بدأ هو يتغير لانضباط أفضل ولكن الأهم من كل ذلك أنني تعلمت من مواعيده شيئا غير كل حياتي.


كنت في البداية أقضي وقت الانتظار في تذمر وتشكي وغضب. ومع مرور الوقت بدأت أحول ساعات الانتظار إلى ساعات استثمار.


لا أظنك أبدا تتوقع ما هو الدرس الذي تعلمته منه فلا تتوقف عن القراءة وشاركني في أهم دروس حياتي.

فالدرس الذي تعلمته منه ليس له أي علاقة باستغلال أوقات انتظار المواعيد في المستشفيات أو الدوائر الحكومية أو المطارات مطلقا.

فالاستفادة من ساعات الانتظار هذه لا يجهله أي احد.

الدرس الذي تعلمته منه أمر مختلف تماما.

الدرس يتعلق بكل الحياة. فالحياة كلها انتظار.

ليس فينا من أحد إلا وهو ينتظر حدثا ما في حياته.

شخص ينتظر ولدا حرمه الله منه أو أخره عليه.

ورجل ينتظر فرجا من دين تعسر عليه قضاؤه.

وامرأة تنتظر عريسا لم يسقه الله لها بعد.

وشخص ينتظر عملا يتناسب مع ما يتطلع إليه.


وكل هذه الأمثلة وأشباهها مواعيد حياتية تشبه مواعيد صاحبي العزيز. لا يمكن التنبؤ بتوقيت وصولها.

وهنا يأتي الدرس


يحمل الانتظار معه بطبيعته الكثير من التوتر والقلق وشتى أنواع الإحباطات النفسية. وأغلب البشر بطبيعتهم يسلمون أنفسهم رهينة هذه المشاعر السلبية التي تزداد في أوقات الانتظار.


وكما أن التوتر والقلق يزداد لو طال انتظارك في موعد عند طبيب الأسنان أو لصديق لا يحترم مواعيده، كذلك يصيبك مزيج من نفس أنواع الشعور السلبي حين تنتظر موعدا حياتيا بعيدا لا تستطيع التنبؤ بموعد حضوره.

هذا هو الدرس الذي أحمد الله أن هيأ لي صديقا لا يحترم مواعيده لأتعلمه منه.

فكما أنني سأبقى رهينة التوتر والقلق حين لا أقطع وقتي بالمفيد في انتظار صاحبي، كذلك سأبقى رهين التوتر والقلق حين أستسلم لمشاعري السلبية في انتظار موعد حياتي لا أدري هل سيأتي بعد سنة أو سنتين أو قد لا يأتي أبدا.

تعلمت درسا من تأخر صاحبي بمواعيده، أنني يجب أن أعيش حياتي بسعادة بكامل لحظاتها. لأنني لا أدري متى سيأتي موعدي الحياتي المنتظر أو هل سياتي أصلا. ولأن الحياة كلها مواعيد. فبمجرد انتهاء قصة انتظار موعد في الحياة سيأتي موعد آخر منتظر له نفس مواصفات مواعيد صاحبي الجرادية.


شكرا لك يا صاحبي العزيز

لقد تعلمت منك أن الحياة كلها انتظار

وأن الانتظار عمار أو دمار، خسارة أو استثمار، حياة أو احتضار.

تعلمت منك أن أستثمر وأن أتشاغل وأن أعيش بسعادة في كل لحظة من لحظات حياتي المليئة بأنواع الانتظار تاركا أمر الموعد الذي أنتظره لله. فإن أتى الله بموعده المنتظر متأخرا أو لم يأت به لم أعش ساعات الانتظار قلقا وتوترا وإحباطا.

وخاصة أن الحياة كلها انتظار.

Comments


آخر المقالات
الأرشيف
ابحث بواسطة الوسوم
تابعنا
  • قناة د إسماعيل البابللي على اليوتيوب
  • صفحة د إسماعيل البابللي على الفيسبوك
  • صفحة د إسماعيل البابللي على تويتر
  • صفحة د إسماعيل البابللي بانستاغرام

احجز

بالواتساب

00966501107180

يتم الرد فقط أثناء ساعات الدوام

اتصل بمركز

المواعيد

00966920020226

يتم الرد فقط أثناء ساعات الدوام

احجز موعدك

أونلاين

أسهل طريقة للحجز

عن طريق الموقع

bottom of page